الأكاديمي رحابي محمد لـ«المجتمع»: مراكز السحر في أمريكا اقتصاد سياحي

في الشرق والعالم القديم يسمى سحراً، ودجلاً وشعوذة في بلدان أخرى، وعند الترويج له وخداع الضحايا يسمى علاجاً روحانياً، أما في أمريكا فالوضع يختلف، فأنت في عالم الترفيه ومركزه، فكل ما يتم من خداع بصري هو مجرد ترفيه وفن.

لا تستغرب إذا كنت في مدينة الساحرات مع 20 ألف ساحر ولهم حقوق دستورية، فهو إرث تاريخي ومنبع سياحي لجذب السياح.

«المجتمع» تواصلت مع الأكاديمي السوري رحابي محمد رحابي، المقيم في ولاية تكساس الأمريكية الأكثر من حيث تواجد المسلمين، الذي كشف عن قرب طبيعة المجتمع الأمريكي، وأنه يختلف عن غيره، فكل شيء خاضع للقانون الذي يقدر الترفيه والفن بضوابطه القانونية المشروعة، فالخداع البصري فن وترفيه وليس شعوذة، وزيارة مدينة الساحرات إرث تاريخي وهوية للثقافة المحلية.

  • بداية، حدِّثنا عن علاقة المجتمع الأمريكي بالأمور الغيبية، وانعكاسات ذلك على قناعته بالدجل والشعوذة؟

- المجتمع هنا واسع ومتنوّع؛ تتباين فيه المواقف من الغيبيات بين التديّن المؤسّسي، والروحانيات الشخصية، والأنشطة ذات الطابع الترفيهي.

وما يعنيني ترسيخ التفكير الناقد، والتمييز بين الإيمان كمجال قيمي روحي، والممارسات التجارية التي قد تُقدَّم على أنها ترفيه.

الاختيار في النهاية فردي، مع مسؤولية أخلاقية بألا يتحوّل ذلك إلى استغلال لاحتياج الناس أو معاناتهم؛ قال تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) (الزمر: 9)، فالعلم نورٌ يهدي العقول ويميز بين الحق والباطل.

  • يعتقد البعض أن الولايات المتحدة بعيدة عن الشعوذة، رغم إقامة مهرجانات ومعاهد تعليمية وقنوات تلفزيونية للسحر، كيف تفسر ذلك؟

- هذا يُقرأ ضمن حرية التعبير والصناعات الثقافية؛ وجود نشاطٍ ما، لا يعني تبنّي المجتمع له كمرجعية معرفية أو رسمية، والقاعدة الصحيّة: «ما كان فنًّا أو ترفيهًا يُعامَل كترفيه»، وما كان قرارًا يمسُّ الصحة أو المال أو الأسرة يجب أن يُبنى على العلم والخبرة المختصّة.

وحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «من تطير أو تُطير له أو تكهن أو تُكهن له فقد برئ من التوكل»؛ أي أن المؤمن الواعي لا يربط مصيره بالخرافة، بل بالأسباب والعمل.

  • «أنت ساحر فأنت مواطن في مدينتنا»، شعار لمدينة سالم المعروفة بمدينة الساحرات، يوجد بها 20 ألف ساحر، وتتمتع بحقوق دستورية، كيف تقرأ ذلك وأنت في العالم المتحضر؟

- ربما تكون هناك مدن تستثمر إرثًا تاريخيًا وثقافيًا في سياحةٍ ومتاحف وشعارات، أتفهم ذلك كهوية محلية وروايةٍ تراثية، لا كدلالةٍ معرفية أو معيارٍ قيمي.

مهرجانات السحرة تأتي ضمن حرية التعبير والصناعات الثقافية

ولكن المهم احترام القانون، وحماية الجمهور من أي تضليل، والحفاظ على السلم الاجتماعي؛ قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) (الحجرات: 13)، فالتنوّع للتعارف وبناء الجسور ومعرفة الآخرين لا للتنازع والكراهية والتفرقة.

  • بحكم إقامتك في ولاية تكساس التي تعتبر من أكبر الولايات عدداً لتواجد المسلمين، ما انعكاس ذلك على نشر الثقافة الإسلامية؟

- الإسهام الأهم هو المواطنة الصالحة، وخدمة المجتمع، والأعمال التطوعية، والحوار البنّاء، وبرامج التعريف المتوازنة التي تبرز القيم المشتركة كالأمانة والرحمة واحترام القانون.

وأعتقد أنه حين نقدّم نموذجًا عمليًا متعاونًا، تصبح الثقافة جسرًا وليس شعاراً وكلمات فحسب، وقد جاء في الحديث: «خيار الناس أنفعهم للناس»، فحيثما نُفيد ونقدّم الخير نكون قد مثّلنا ديننا وإنسانيتنا خير تمثيل.

  • هل توجد بالولاية مراكز للعلاج بالقرآن أو الرقية الشرعية؟ وما مدى إقبال الناس عليها والاقتناع بها؟

- قد تكون هناك مبادرات ذات طابع ديني أو روحي ويُقصد بها المواساة ورفع المعنويات، وأنا هنا أؤكد دائمًا أنها «مكمّلة» لا «بديلة» عن الطبّ والعلاج النفسي المرخَّص.

هناك مبادرات ذات طابع ديني لكنها ليست بديلة عن الطب النفسي

كما أنها لا بدّ أن تُمارَس ضمن ضوابط شرعية وقانونية واضحة، وبمنهج يحترم خصوصية الإنسان وكرامته وحقّه في رعايةٍ صحيةٍ مهنية؛ قال تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ) (الإسراء: 82)، والقرآن شفاءٌ معنوي يكمّل العلاج المادي ولا يناقضه.

  • تنتشر بكثرة في ولاية ماساشوستس مراكز السحر ويوجد بها شموع ومجسمات وتماثيل، كيف تفسر هذه الظاهرة؟

- أعتقد أن هذا جاء ربما من مزيج ميراثٍ ثقافي، وتياراتٍ روحانية شخصية، واقتصادٍ سياحي، وما دام ذلك يجري في إطار القانون والشفافية، فالمجتمع يتعامل معه كجزء من التنوّع، مع حق كل شخصٍ في التقييم والنقد الهادئ وتثقيف النفس والأبناء على التمييز بين الترفيه والعقيدة والمعرفة.

  • البعض يتداول أن السحر يدخل أمريكا من الخارج، وليس من داخلها، ما صحة ذلك؟

- أرى أن التأثير الثقافي اليوم متبادل عالميًا، لكن الظواهر تتشكّل محليًا أيضًا، فبدلاً من منطق الاتهام، الأفضل الاستثمار في التعليم الإعلامي، والتمكين من مهارات التفكير النقدي، وبناء الثقة داخل الأسرة والمدرسة ودور العبادة؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته»، فالحماية تبدأ من التربية والوعي داخل الأسرة والمجتمع.

  • كشفت تقارير أن بعض الرؤساء أو الشخصيات العامة كانوا يستشيرون الأبراج أو يقومون بأعمال سحرية، ما تعليقك؟

- لا أعلّق على الأفراد، فالمبدأ عندي واضح أن القرارات العامة والخاصة ينبغي أن تستند إلى العلم والخبرة والقيم الأخلاقية، مع احترام حق كل إنسان في معتقده ما دام لا يعتدي على الآخرين ولا يروّج لوهمٍ يضرّ بالناس؛ قال تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) (الإسراء: 36)؛ أي لا نتحدث إلا بعلمٍ أو دليلٍ بيّن واضح.

  • تبلغ ثروة بعض السحرة ملايين الدولارات ويحققون شهرة واسعة، هل هناك ولايات بعينها تدعم أعمال السحرة؟

- أظنّ أن هذا مجالٌ فنيٌّ ترفيهي يقوم على المهارة والعقد التجاري والجمهور، لا على قانونية ومشروعية «قدرةٍ غيبية»، ونجاحه يرتبط بالبنية الترفيهية والسياحية، لا بدعمٍ مضموني لمعتقدٍ ما، ويبقى على العارضين توضيح الفرق بين الخدعة الفنية والادّعاء المعرفي؛ قال تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ) (التوبة: 105)، العمل الشريف والنية الصادقة هما معيار التقدير الحقيقي.

  • بحكم إقامتك، ما قراءتك للمجتمع الأمريكي من الداخل؟ وهل يعاني من خواء إيماني؟ وما رسالتك لمن يمارس أعمال السحر والشعوذة؟

- حقيقة أنا أراه مجتمعًا حيًّا يتغيّر ويتحاور ويتعارف، تتراجع بعض الأشكال التقليدية عند البعض، وتبرز أشكالٌ جديدة للبحث عن المعنى.

احترموا عقولكم وقلوبكم وميّزوا بين الراحة الروحية والعلاج المهني

أنا لستُ مع لغة «الخواء»، بل مع لغة المسؤولية والمغزى، فالمعنى يُبنى بالأسرة المتماسكة، وخدمة الآخر، والصدق في العمل، والعلم النافع، والعلاقات الإنسانية الرحيمة.

وهذا ما يوحّدنا مهما اختلفت أدياننا وثقافاتنا؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم»، فالقيمة الحقيقية للإنسان في الصدق والنفع والخير الذي يقدمه لمجتمعه الذي يعيش فيه.

كما أؤمن بأن قوة أي مجتمع في قيمه المشتركة؛ كرامة الإنسان، وسيادة القانون، وطلب العلم، والرحمة المتبادلة.

أما رسالتي لكل القرّاء: احترموا عقولكم وقلوبكم، وميّزوا بين الفن والاعتقاد، وبين الرأي والمعلومة، وبين الراحة الروحية والعلاج المهني.



اقرأ أيضاً:

الأكاديمية أمينة جالو تكشف لـ«المجتمع» أسباب انتشار «سحر الفودو» في غينيا كوناكري

الأكاديمي الموريتاني أحمد سالم لـ«المجتمع»: «شارع السحرة» بنواكشوط مملكة محمية من أصحاب النفوذ!

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة