أهمية خلق الحياء.. و10 ثمرات للتحلي به

الحياء من أنبل الأخلاق التي يمكن أن يتحلى بها إنسان، ومن أكثر الأخلاق التي أكدت علها النصوص الشرعية، وهو ميزان الرقي الإنساني وضابط السلوك الفطري، والسبيل لكل فضيلة، والسد المنيع الذي يحول بين المسلم والسقوط فيما يغضب الله تعالى، قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «الحياء شعبة من الإيمان» (رواه البخاري)، وقال تعالى: (فجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ) (القصص: 25)،

مكانة الحياء في القرآن والسُّنة

تحدثت آيات القرآن عن الحياء بأنه خلق فطري يغرس في النفس التوقير لله والخوف من معصيته سبحانه، قال تعالى: (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى) (العلق: 14)، يقول الطبري: هذه الآية أصل في خلق الحياء، إذ من علم أن الله يراه استحيا أن يعصيه(1)، ويرى القرطبي أن الحياء في قوله تعالى: (يسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا) (البقرة: 26)، يدل على أن الحياء صفة كمال لا نقص فيها، لأن الله تعالى «يستحي»؛ أي يكرم عباده ولا يفضحهم(2).

وأما في السُّنة، فالحياء أصل الدين، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن لكل دين خلقاً، وخلق الإسلام الحياء» (سنن ابن ماجة)، ويقول كذلك: «الحياء لا يأتي إلا بخير» (رواه مسلم)، يقول ابن حجر في شرح الحديث: الحياء باعث على ترك القبيح، وهو أصل الفضائل كلها(3).

وكما روت عائشة رضي الله عنها: «كان رسول الله أشد حياء من العذراء في خدرها» (رواه البخاري)، وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه يقول: «أستحي أن أرفع رأسي إلى السماء بالدعاء، وقد أحدثت ذنباً»(4)، وعن عبدالله بن مسعود: «الحياء أن تحفظ الراس وما وعى، والبطن وما حوى، وتذكر الموت والبلى» (رواه الترمذي).

الحياء في الفكر الأخلاقي الإسلامي

اتفق العلماء على أهمية خلق الحياء في استقامة العلاقة بين العبد وربه، فيقول الغزالي: إن الحياء من مقامات القلوب، وهو انقباض النفس عن القبائح خوفاً من الله وتعظيماً له(5)، ويقول ابن القيم: الحياء من الله يمنع العبد من التفريط في حقوقه، وهو رأس مكارم الأخلاق(6)، أما الرازي فيفسر الحياء بأنه شعور نابع من إدراك العظمة الإلهية، فلا يستهان بالصغائر(7).

الحياء في مواجهة عالم الخوارزميات

في زمن الانفتاح الإعلامي وتوسع وسائل التواصل الاجتماعي، صار الحياء ضرورة أخلاقية، يقول طه عبدالرحمن، الفيلسوف المغربي: الحياء روح الأخلاق، ومتى فقده الإنسان صار آلة بلا وجدان(8)، ويقول د. محمد عمارة: انهيار الحياء في الثقافة المعاصرة هو بداية تفكك الأسرة والمجتمع(9).

الحياء كقيمة تربوية

ويظل الحياء قيمة تربوية:

ففي الأسرة: يقع الجانب التربوي الأكبر على الوالدين، حيث غرس قيمة الحياء منذ الصغر كاحترام للذات والآخرين، والتربية تبدأ من اختيار الأبوين أحدهما للآخر، فالرجل حين يبدأ في البحث والاختيار يكون أساس اختياره الدين، فهو في المقام الأول يختار أماً لأبنائه، وكذلك الأمر بالنسبة للمرأة التي تضع الدين في المقام الأول لاختيارها زوجها الذي يحرص مستقبلاً على تكوين نشء ينفع الأمة.

وفي المدرسة: يجب أن يكون المعلم قدوة تربوية لتلاميذه، يغرس الحياء بالقدوة لا بالتلقين.

وفي الإعلام: على الأمة التي تريد النهوض يجب أن تراعي كافة الوسائل المؤثرة في تكوين الأجيال، وأهمها التعليم والإعلام، يقول عبدالكريم بكار: الحياء هو الضابط الداخلي للأخلاق، حين يغيب الرقيب الخارجي(10).

فالحياء إذن ليس مظهراً اجتماعياً فحسب، بل عبادة قلبية وموقف أخلاقي يحمي الإنسان من الانزلاق في مواطن الزلل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا لم تستح فاصنع ما شئت» (رواه البخاري).

إنه خلق يجمع بين الكرامة والرحمة، وبين الحرية والانضباط، وهو حجر الزاوية في بناء الشخصية المسلمة.

10 ثمرات للحياء

1- الحياء مصدر للخير لا ينضب: فالحياء أصل كل خير، وهو يدفع صاحبه للبعد عن كل ما هو قبيح.

2- الحياء سبب لهجر المعاصي: يعد الحياء دافعاً قوياً لترك المعاصي، خوفاً من الله ورغبة في رضاه، والمسلم حين يسمع قول الله تعالى: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) (الزخرف: 80)، فكيف يقدم على المعاصي بعد هذا العلم؟!

3- الحياء مجلبة للوقار والرزانة: فهو يكسب صاحبه الوقار والهيبة في نظر الناس، فهو في طبيعته لا يقدم على ما يخل مروءته أو ينال منها أمام الناس، وحين سئلت عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قالت: «لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً، ولا صخاباً في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح» (رواه الترمذي).

4- الحياء سبب لمحبة الله عز وجل، فالله تعالى يحب أهل الحياء، فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ اللَّهَ حييٌّ سِتِّيرٌ يحبُّ الحياءَ والتَّستُّرَ فإذا اغتسلَ أحدُكم فليستتِر» (رواه أحمد).

5- الحياء سبب لمحبة الناس: فهو يكسب صاحبه محبة الناس ومودتهم واحترامهم.

6- الحياء سبب للستر في الدنيا والآخرة: فالذي يتحلى بالحياء، فإن الله يستر عليه في الدنيا والآخرة.

7- الحياء سبب في الأخلاق الحميدة: حيث يساهم في تحسين السلوك العام أمام الله وأمام الناس.

8- الحياء يساهم في تجنب الفضائح: فالحيي ينأى بنفسه عن كل ما يمكن أن يسيء إليها خوفاً من عواقبها.

9- الحياء يساهم في دفع المجتمع نحو الخير: فالمجتمع الذي ينتشر فيه الحياء تقل فيه الجرائم والفساد؛ لأن الحياء يمنع الناس عن اقتراف المعاصي.

10- الحياء يساهم في نصرة الحق: فهو يمنع صاحبه من التفريط في حقوق الآخرين ويجعله أميناً في تعاملاته.




___________________

(1) جامع البيان، ج 30، ص 216.

(2) الجامع لأحكام القرآن، ج 1، ص 229.

(3) فتح الباري، ج1 ص 68.

(4) الزهد للإمام أحمد، ص 74.

(5) إحياء علوم الدين، ج3، ص 92.

(6) مدارج السالكين، ج2، ص 301.

(7) مفاتيح الغيب، ج5، ص 75.

(8) من كتاب روح الحداثة لطه عبدالرحمن، ص 188.

(9) القيم الحضارية في الإسلام، ص 94.

(10) تأملات في النفس والمجتمع، ص 113.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة