أم جميل العصر.. قراءة في سورة «المسد» وعاقبة زوجات الطغاة

كاتب المدونة: شريف
محمد
تمر الأيام، وتتغير الأسماء والأماكن،
لكن جوهر الصراع بين الحق والباطل، والطغيان ومن يقف خلفه، يظل واحداً، حين نسمع
تصريحات نتنياهو مجرم الإبادة وهولاكو العصر وهو يتباهى أن زوجته سارة حمالة الحطب
تشاركه، بل تتخذ أخطر القرارات حتى موعد الضربات على غزة، كما طالعنا في الصحف
والمواقع، يتراءى لنا على الفور مشهد تاريخي قديم، مشهد رسمت تفاصيله آيات القرآن
الكريم.
إنه مشهد أم جميل أروى بنت حرب، زوجة أبي
لهب، التي لم تكتفِ بتعزيز طغيان زوجها، بل كانت شريكة فعلية في الإيذاء والعداوة للنبي
صلى الله عليه وسلم، كانت تحمل الأشواك لتضعها في طريقه، وكانت تُشعِل نار الفتنة
والتحريض في البيئة المحيطة، لم تكن مجرد زوجة صامتة، بل كانت جسراً للشر.
هذا التناغم بين الطاغية وشريكته في
الإثم تاريخ لا يزول، إذ يتكفل الله تعالى بفضح هذا التحالف وإنزال العذاب به.
لقد نزلت سورة «المسد» لتبقى شاهدة على
المصير المحتوم لكل من شارك في الأذى والطغيان، فبعد هلاك الزوج في عذابه، يأتي
ذكر شريكته بآية عظيمة تصف عملها وعاقبتها: (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ {4} فِي جِيدِهَا
حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ) (المسد).
تفسير هذه الآية يحمل دلالتين مرعبتين؛
إحداهما دنيوية؛ وهي أنها كانت تحمل حطب الشر والأذى لترمي به في طريق النبي صلى
الله عليه وسلم، والأخرى أخروية؛ أن الحطب الذي كانت تحمله هو الذي ستعذَّب به في
النار، بل قيل: إنها ستحمله لترميه على زوجها أبي لهب ليشتد عليه عذابه.
إن هذا المصير الإلهي يذكرنا بأن
المسؤولية عن الظلم ليست فردية، وأن من يكتب الخطابات ويصوغ القرارات ويدفع
للطغيان شريك أصيل في العذاب.
اليوم، حين يلوح في الأفق شر جديد، وحين
يُعلَن صراحة أن هناك شريكاً في القرار، فإننا نتذكر تلك السورة القصيرة القاطعة
التي بدأت بقوله تعالى: (تَبَّتْ
يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) (المسد: 1)؛ هذا التَبَاب (الخسارة والهلاك)
لم يقتصر على أبي لهب وحده، بل امتد ليطال شريكته في الإثم، حَمَّالَة الْحَطَب.
فاللهم يا من أهلكت فرعون وهامان، ويا من
أنزلت سورة في عذاب أبي لهب وزوجته، نسألك أن ترينا في هذا الزمن الجديد، في هذا
المشهد المتكرر، عاقبة الظالمين ومن عاونهم.