«آلية الزناد» على إيران واحتمالات التصعيد

«آلية الزناد» شبح دولي جديد يُخيم على إيران
وأصبحت جزءًا من يوم المواطن الإيراني، الذي يترقب ما ستؤول إليه حالة الإجماع
الأمني الدولي التي عادت للتشكل ضد طهران.
الآلية هي بند مدرج ضمن الاتفاق النووي الإيراني عام 2015م، ويطلق عليها إعلامياً «سناب باك»، وقد وضِعت لطمأنة الأطراف
الغربية و«إسرائيل» ودول المنطقة بأن هناك وسيلة سريعة لإعادة العقوبات إذا خرقت
إيران التزاماتها.
إيران أعلت صوتها برفض تفعيل الآلية
واعتبرتها إجراء «غير قانوني» يتعارض مع روح الاتفاق النووي، لكنها لا تزال تعتبر
نفسها طرفًا في خطة الاتفاق، رغم أنها قلّصت التزاماتها فيه.
القرار الأخير لمجلس الأمن بإعادة تطبيق
جميع أحكام قراراته ذات الصلة الخاصة بإيران، بنفس الكيفية التي كانت مطبقة قبل
اعتماد القرار (2231) الصارد عام 2015م، وضع إيران في مواجهة مع نفسها.
اعتماد مشروع قرار تمديد الاتفاق النووي
والقرار (2231)، الذي قدمته روسيا والصين في الاجتماع الأخير لمجلس الأمن، الجمعة
26 سبتمبر الماضي، كان سيُؤخر إعادة فرض العقوبات المتعلقة بإيران لمدة 6 أشهر حتى
18 أبريل 2026م.
هذا القرار فتح موجة تضارب كبيرة
بالمواقف في أوساط المستويات الرسمية داخل إيران، رغم أن كثيراً من التقديرات كانت
ترجّحه كأحد تجليات الرؤية الغربية في التعاطي مع مخرجات الحرب الأخيرة، لكن تصريح
وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي عبّر عن حقيقة موقف طهران من التطورات الدولية
بأن الأخطار في أعلى مستوياتها.
تحولات إيرانية داخلية في إدارة الملف النووي
طهران كانت قد تعلمت دروسها من الحرب
بإحداث تغيير رأسي جوهري في إدارة وشكل التعامل مع الملفات الكبيرة، ومنها ما
يندرج ضمن اختصاصات وزارة الخارجية، بإعادة تعزيز موقع ودور ونفوذ مؤسسة «المجلس
الأعلى للأمن القومي» برئاسة الوافد الجديد في أكثر لحظات الجمهورية حساسية علي لاريجاني الذي يحمل درجتي الماجستير والدكتوراة في الفلسفة الغربية.
هذا التغيير يعني أن طهران قدمت وجه
مفاوضها الجديد، الذي سيعيد توجيه السياسة الأمنية والخارجية المتعلقة بإدارة
الحوار مع الغرب كونه أحد الداعمين البارزين لحكومة الرئيس الإيراني الأسبق حسن
روحاني في تمرير الاتفاق النووي عام 2015م؛ أي أن مهمته بالأساس هي منع الحرب،
وأيضًا الاستعداد لها.
لم يمنع ذلك طهران بأن تلوّح بخياراتها
المباشرة، ومنها دراسة الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، وتعليق ملف
التعامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مع التركيز على صورة عدم الخضوع
للإملاءات الخارجية والاستعداد للمواجهة.
لكن طهران فضّلت الحوار مرة أخرى، ولم
تذهب باتجاه قرارات مصيرية يمكن أن تفجر كل المسار، ولا تزال تعمل بموجب مبدأ مهم
يحكم السياسة الخارجية لإيران وهو «كسر الإجماع الأمني الدولي» ضدها، وهي سياسة
مضادة لكل المحاولات «الإسرائيلية» والأمريكية التي تدفع باتجاه التعامل مع إيران
على أنها «ملف أمني» بالغ الخطورة ومصدر تهديد لأمن المنطقة واستقرارها.
رهانات إيرانية في مواجهة العزلة والتصعيد
منْح الحوار فرصة أخرى، لم يُرض شريحة
واسعة من الأصوليين داخل إيران، الذين أعادوا الهجوم ضد الاتفاق النووي و«المسار
الإصلاحي» الخارجي، واستخدموا الموقف الأوروبي والنفوذ الأمريكي عليه بإعادة تفعيل
«آلية الزناد»، لإثبات نظريتهم بأن هذا المسار أخذ من إيران ولم يعطها.
ومع عودة «آلية الزناد»، هاجمت صحيفة «كيهان»
الإيرانية المحافظة بشدة الخط العام للسياسة الخارجية لحكم الإصلاحيين، وخاصة
حكومة الرئيس الإيراني الحالي مسعود بزشكيان، وكتبت بأن إغلاق أو تعليق أو تمزيق
95% من التكنولوجيا النووية، وإخراج نحو 10 آلاف كيلوجرام من اليورانيوم المخصّب
من البلاد، وتعطيل 8 آلاف مصنع في وقت واحد، ورهن الاقتصاد وتجميده، وهبوط متوسط
النمو الاقتصادي خلال 8 سنوات إلى نحو الصفر بالمائة، وأخيرًا تفعيل «آلية الزناد»
بعد 10 سنوات، ليست سوى جزء من نتائج التُحفة المسماة الاتفاق النووي.
السياسة الخارجية الإيرانية تقف اليوم
أمام منعطف دولي خطير، ولا تزال طهران تضع الحرب الأخيرة أمامها، وقد أعلنت عن خطة
لمواجهة آلية الزناد والسيناريوهات المترتبة عليها، وسيجري إقرارها داخل الحكومة
الأحد 5 أكتوبر 2025م، وسيكون عنوانها العريض «صد العقوبات عن حياة المواطنين».
ترى طهران أن اللوبي الصهيوني فكك طاولة
التفاوض مع الغرب، وكان له تأثير مباشر على مسار اتخاذ القرار لدى الأوروبيين،
ونجح في إعادة العقوبات على إيران، وبالتالي ما يجري استكمال للحرب الأخيرة التي
تؤكد التطورات الجديدة أن فصولها لم تنته بعد.
تراهن طهران على التحالفات الأخيرة التي
تجري في المنطقة، سواء اتفاقها الأمني مع العراق، أو التحالف الدفاعي بين السعودية
وباكستان، أو ما وصفه البعض بـ«الاندماج الإستراتيجي» مع موسكو عبر مشاريع نووية
سلمية جديدة والحصول على طائرات «ميغ 29» الروسية، والصفقات الكبيرة مع الصين، كل
ذلك يأتي كمحاولة من إيران لإظهار السيادة والرغبة في تحدي العقوبات.
هذه التحالفات تأخذ شكل الاصطفافات
الإقليمية وربما ترتيبات مع قبل التصعيد، وهي أيضًا تأخذ شكل الرد الرسمي لإيران
بالتوجه شرقًا، في أعقاب ما أحدثته التحولات الأخيرة في الفكر السياسي الإيراني
تجاه الغرب، والفشل المحتمل لجدوى الرهان عليه مجددًا، وعدم القدرة على الصمود في
مواجهة الضغط الداخلي سواء باستمرار المناورة مع الغرب أو رفض إملاءاته وقبول
البقاء تحت سيف «آلية الزناد».
وبعكس رغبة الإيرانيين، فإن الملف
الإيراني عاد بفعل المستجدات الأخيرة ليكون «الملف الأمني الأول» على طاولة
المجتمع الدولي، ومع الزخم الذي تضفيه «تل أبيب» وواشنطن لإظهار خطورته، فإن ذلك
يعني أن ما جرى في 24 يونيو الماضي لم يكن سوى وقف إطلاق نار مؤقت، قد يتجدد في
أعقاب الضغط الدولي الكبير ضد إيران بدفع غربي أمريكي، وبحافز «إسرائيلي» أمني
للمراكمة على الضعف الذي أصاب إيران وحرمانها من القدرة على إعادة بناء قوتها.