«آلة شقبية».. الثوب الجديد للقمار الرقمي

محرر المنوعات

05 أكتوبر 2025

52

في زمن غزت فيه الرقمنة الجيوب قبل المنازل، واحتلت عقول الكبار قبل الصغار، وبات الجميع ضحية هذا الإدمان، نجد العديد من الآلات تظهر في ثوب جديد -رغم أن رائحة خبثها وقذارة مقصدها ما زالت تسيطر عليها– لتستميل الشباب بشعارات براقة، وإعلانات جذابة، للقضاء على الملل، تجسد هذا الثوب حديثنا فيما عرف بـ«آلة شقبية» أو «آلة الحظ»، لتسيطر على العقول بمبدأ الربح السريع الذي لا يتطلب أي جهد، وسرعان ما راجت الفكرة وانتشرت، إلا أن الشريعة الإسلامية دائمًا ما وضعت حدودًا لحماية أبنائها من الوقوع في مثل هذا الفخ.

«آلة شقبية».. ما هي؟

تعرف «الآلة الشقبية» أو «الماكينة الشقبية» بأنها نوع من ألعاب القمار المعتمدة على الحظ، ورغم أن مصطلح «آلة شقبية» مصطلح حديث، فإن فكرته تعود إلى ماكينات القمار التقليدية، ففي الأصل كانت هذه الماكينات عبارة عن أجهزة تحتوي على بكرات عليها رموز أو صور مختلفة، وحينما يتم إدخال العملة وتدوير الذراع، تبدأ البكرات بالدوران، وإذا ما توقفت هذه البكرات على نفس الرمز في صف معين، فهذا يعني أن اللاعب قد فاز بالجائزة المتفق عليها بين اللاعبين، التي غالبًا ما تكون نقدية.

إلا أن التطور التكنولوجي والرقمي جعل هذه الماكينات تتحول إلى نسخ إلكترونية وفيديوهات غير معتمدة على العملات المعدنية، أو ذراع السحب، بل تستخدم بطاقات إلكترونية أو عملات افتراضية في الكازينوهات الرقمية، وكأننا بذلك نتحدى الشيطان؛ إن أغلق باب المعصية في العالم الحقيقي، فأبواب العالم الرقمي ترحب بنا!

«آلة شقبية».. هل هي مباحة؟

إن الآلة في حد ذاتها لا يمكن الحكم بحرمتها من عدمه؛ لأن هذا الحكم يتوقف على استخدامها، وطالما أن «آلة شقبية» تستخدم في القمار فحكمها حكمها القمار وهو التحريم، ولا يجوز لأحد أن يحلل أمراً حرَّمه الله تعالى، قال سبحانه: (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ) (النحل: 116).

والله حرّم القمار بكل أنواعه ومسمياته وآلاته، القديم منها والحديث، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (المائدة: 90).

والميسر هو كل لعب يكون فيه غنم لطرف وغرم لطرف آخر دون مقابل مشروع، وقد عرف العلماء القمار بأنه مخاطرة ومغالبة بين اثنين أو أكثر، فهو إما أن تغنم أو تغرم مع غلبة المخاطرة، وهذا ما تقوم عليه جميع آلات القمار ومنها «الآلة الشقبية»؛ لأنها تقوم على دفع مال مقابل احتمال الربح أو الخسارة دون عمل أو تجارى حقيقية.

«آلة شقبية».. أضرارها

إن ما يعرف بـ«آلة شقبية» وكل الآلات والممارسات التي يتم من خلالها ممارسة القمار تغذي روح الطمع والكسل والكسب السريع، وتقتل روح الجد والكسب الحلال، والنبي صلى الله عليه وسلم بيَّن أننا سنسأل يوم القيامة عن أموالنا، من أين اكتسبناها؟ وفيم أنفقناها؟ كما أن هذه الآلات تدمر الأسر لأنها تزرع الإدمان، وتغرق أصحبها في الديون والمشكلات.

فبعض الناس يدخلون إلى القمار أو «الآلة الشقبية» بتجربة بسيطة، إلا أنها تنتهي بالإفلاس أو الانحراف، وتدفع مدمنها إلى الكثير من الأعمال غير المشروعة ليزيد مكسبه أو يقلل خسارته، حتى أقبل بعضهم على سرقة أبية أو أمه، وفي بعض الأحيان وصل الأمر إلى قتل من أبى إعطاءه المال الذي يحتاجه للمقامرة.

«آلة شقبية».. دور التوعية الرقمية

إن كثرة ألعاب القمار الرقمية تستدعي تضافر جهود التوعية، فكل يوم نسمع عن لعبة جديدة وثوب جديد للمقامرة آخرهم «آلة شقبية»، وكان قد سبقها ما يعرف بـ«صناديق الحظ»، والمواقع الرقمية التي تحاكي الكازينوهات، وبعض تطبيقات اربح مع السحب، والعديد من صور المقامرة المحرمة بالإجماع وإن اختلفت مسمياتها؛ ولذا يجب على المؤسسات الدينية والإعلامية أن توضح الفرق بين الترفيه المباح والمقامرة المحرمة، وأن تنشر الوعي بين الشباب بخطورة الإدمان المالي في الألعاب الإلكترونية لا سيما وأن التجارب السابقة كلها توحي بخطورة هذا الأمر.

من هنا، يتبين أن «الآلة الشقبية» ليست مجرد لعبة للتسلية، بل وسيلة حديثة للمقامرة، وامتحان حقيقي القيم، وتذكير بأن كسب المال بالطرق السهلة الخالية من الجهد والتعب والنفع ما هي إلا طرق تغضب الله تعالى، فمن أراد الربح الحقيقي؛ فليبحث عنه في الكد والعمل والكسب الحلال الذي يفيد به نفسه وغيره ومجتمعه، لا في دوائر الحظ والمقامرة والفراغ.

انظر أيضًا: مواقع القمار الإلكتروني.. والحروب السيبرانية & فخ القمار!!


______________

1- https://n9.cl/6ktcza.

2- https://n9.cl/wfxer9.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة