آفاق الاقتصاد الإبداعي.. بين الإنسان والذكاء الاصطناعي

مشاري الديحاني

29 أكتوبر 2025

124

ظهر مصطلح «اقتصاد الإبداع» (CreativeEconomy) على يد الباحث والاقتصادي البريطاني جون هوكينز عام 2002م، ويُعرّف هذا الاقتصاد بأنه القطاعات التي تعتمد على الإبداع والملكية الفكرية لخلق الثروة، بما في ذلك الفنون والإعلام والبرمجيات والتصميم، وقد شهدت العقود الأخيرة اعترافاً واسعاً بهذا المفهوم عالمياً، خاصة مع تزايد أهمية الأفكار والخدمات الإبداعية في الاقتصاد العالمي.

نمو مستمر

وبحسب تقرير صادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) عام 2022م، فإن قطاع الاقتصاد الإبداعي شهد نمواً مستمراً وسريعاً، وهو من بين أسرع الصناعات نمواً في جميع أنحاء العالم، وفي الوقت نفسه، دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى تعزيز الاقتصاد الإبداعي كعامل رئيس لتنفيذ خطط التنمية المستدامة؛ حيث يشير عدد من الخبراء الاقتصاديين إلى أن الاقتصاد الإبداعي يتمتع بالاستدامة والمرونة العالية والقدرة على مواجهة التقلبات والتغيرات الاقتصادية، وتوقعت الأمم المتحدة، أن يكون أحد المحركات الرئيسة للاقتصاد العالمي، مقدِّرةً مساهمته بما يعادل 3% من الناتج الإجمالي العالمي، وبقيمة تُقدر بـ2.25 تريليون دولار أمريكي سنوياً.

إبداع بشري

ويعتمد اقتصاد الإبداع في جوهره على الإبداع البشري، ولكن في ظل ما تشهده البشرية من تحولات جذريه تغير ملامح العالم وفي القلب منه الاقتصاد العالمي، يتقدم الذكاء الاصطناعي بخطى ثابتة ليفرض نفسه كقوة مؤثرة في مختلف القطاعات، فاتحاً الباب للعديد من التساؤلات حول شكل الاقتصاد العالمي في المستقبل، وهل نحن حقاً على أعتاب مرحلة جديدة تتجاوز مفهوم المعرفة التقليدي المعتمد على الذكاء البشري إلى خوارزميات الذكاء الاصطناعي التي ستكون القوة الدافعة للإبداع والابتكار؟

اقتصاد الابتكار

مفاهيم مثل الإنسان العامل أو المنتج أو الماهر قد تغادر عالم الواقع لتسكن المعاجم والقواميس، فعلى غرار الثورة الصناعية، يدفعنا الذكاء الاصطناعي إلى عصر جديد، وبعبارة أخرى الانتقال من اقتصاد المعرفة إلى اقتصاد الابتكار، وتشير بعض المسوح إلى أن تبني الذكاء الاصطناعي يمثل أولوية قصوى لـ90% من المديرين التنفيذيين من مختلف المستويات.

ووفقاً لتقديرات شركة «Allied Market Research» المنشورة في فبراير 2024م، بلغت قيمة السوق العالمية للذكاء الاصطناعي التوليدي المُستخدم في الصناعات الإبداعية 1.7 مليار دولار أمريكي في عام 2022م، ومن المتوقع أن تصل إلى 21.6 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2032م، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 29.6% خلال الفترة من عام 2023 إلى 2032م.

وهنا يثار تساؤل مهم: هل يمثل الذكاء الاصطناعي نهاية لاقتصاد المعرفة التقليدي الذي يعتمد على المعرفة البشرية؟

يضعنا الذكاء الاصطناعي أمام 3 سيناريوهات متباينة ستعيد تعريف منظومة الإبداع البشري:

1- سيناريو «التمكين» (Augmentation):

حيث يعمل الذكاء الاصطناعي كمُسرّع للابتكار البشري؛ ما يؤدي إلى دورة إنتاجية فائقة الكفاءة، تدمج الموثوقية العالية بالتكلفة المنخفضة، وتطلق العنان لإبداع غير مسبوق.

2- سيناريو «الإزاحة» (Disruption):

وفيه يؤدي غياب الحوكمة إلى منافسة غير متكافئة، تخلق «تسونامي» من المحتوى الخوارزمي يطرد المواهب البشرية الأصيلة من السوق، ويُهمّش دور الإنسان ليصبح مجرد مُقيّم لإبداعات الآلة.

3- سيناريو «النهضة الإنسانية» (Renaissance):

تطور طبيعي ينشأ كرد فعل على هيمنة الآلة، حيث يرتفع الطلب بشكل حاد على الأصالة والإبداع «المصنوع بشراً»؛ ما يمنح المبدعين البشريين ميزة تنافسية متجددة مبنية على القيمة الإنسانية الفريدة.

إن هذه التحولات العاصفة ليست مجرد تحدٍّ تقني، بل هي لحظة حضارية فارقة، تفتح أمام العالم الإسلامي نافذة تاريخية، لا ليكون مستهلكاً سلبياً على هامش التاريخ، بل ليعود إلى قلبه، مستأنفاً دوره كمنتج للمعنى، ورائد في صياغة مستقبل يوازن فيه بين الابتكار والقيم.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة