آثار الكلمة الطيبة.. 5 فوائد لبناء الثقة

قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً
كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي
السَّمَاء {24} تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ
اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ {25} وَمَثلُ كَلِمَةٍ
خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن
قَرَارٍ) (إبراهيم)، حين يوقن المؤمن أنه مثاب على أن يتعامل بالكلمة الطيبة
مع الناس، وأنه مأجور عليها، فإنها تتحول لطاقة كبيرة تنتصر على هوى النفس والرغبة
في الخصام أو الانتقام أو التشفي في مصاب أحد، حينها يكون قوياً، يقول النبي صلى
الله عليه وسلم: «ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب»
(رواه مسلم).
الكلمة الطيبة أساس التواصل الإنساني
لا يوجد على
الأرض إنسان يعيش بمفرده دون أن يكون في حاجة للتواصل مع الآخرين، فتلك هي طبيعة
الإنسان التي جُبل عليها، وطالما هناك حاجة إلى التواصل، فيجب أن يكون هناك
بالتالي لغة للتواصل، وأعلاها الكلام الطيب، فالكلمة الطيبة الحسنة هي الصيغة
الأخلاقية.
قال النبي صلى
الله عليه وسلم: «الكلمة الطيبة صدقة» (رواه البخاري)، وهي بهذا تؤسس لروابط
اجتماعية تقوم على المودة والرحمة والتعاون.
آثار الكلمة الطيبة على المجتمع المسلم
وككل عبادة من
العبادات، أو خلق من الأخلاق التي حض عليها الإسلام، وككل معاملة بين المسلمين أكدها
الله تعالى ورسوله، فإن للكلمة الطيبة أثراً بالغاً على الفرد والمجتمع، وغيابها
سوف يؤثر حتماً على سير ذلك المجتمع وطبيعته، بل واستمراره، ومن الآثار الطيبة
للكلمة الطيبة:
1- الكلمة الطيبة شفاء لما في الصدور:
حين أعطاها
النبي صلى الله عليه وسلم صفة الصدقة، فذلك لأنها تتميز بنفس المهام التي تحملها
الصدقة بالمال، فهي تمنح وتطهر وتجبر جروح النفس، تلمس القلب وتهدئ الخواطر وتكسر
دائرة التوتر التي تفسد العلاقات بين الناس وتنزع الثقة منهم.
2- الكلمة الطيبة تصنع الاحترام بين الناس:
والاحترام
والتقدير بين الناس ليس قانوناً مكتوباً يمكن فرضه أو المحاسبة على تجاهله، إنما
هو ثمرة من ثمرات الكلمة الطيبة حين تكون شريعة وسلوكاً بين الناس في تعاملهم
اليومي، تنبع من ضمير متصل بالله عز وجل؛ فيقول تعالى: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) (البقرة: 83).
قال الإمام
أحمد: عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تحقرن من المعروف شيئاً،
وإن لم تجد فالق أخاك بوجه منطلق»(1).
3- الكلمة الطيبة تعمل على الترابط الأسري وتحيي المجتمع:
في البيت الذي
يتبادل أهله الكلمات الطيبة بالرغم من المشكلات والضغوط التي يتعرضون لها في زمن
يتسم بالسرعة والضيق وتضاعف الحاجات مع العجز أحياناً عن تلبيتها، بيت دافئ آمن
متحاب، تلك السرة لديها القدرة على أن تنشئ جيلا لا يعرف الإهانة ولا العنف اللفظي
أو الفعلي، بل يرى في الاحترام ضرورة لأي تعامل مع الآخرين ولو بطلاقة الوجه حيت
تلقى أخاك المسلم؛ يقول الغزالي في طلاقة الوجه: «هي أولى درجات اللين القلبي، وهي
تمهيدٌ للكلمة الحسنة التي تُثمر صلحًا ومحبة»(2).
4- الكلمة الطيبة أفضل مواجه للشائعات:
وفي زمن انتشرت
فيه وسائل التواصل الاجتماعي وأدوات الذكاء الاصطناعي بشكل مرعب، تصير الكلمة
الطيبة الضمان الأخلاقي للمصداقية، حيث يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا) (الأحزاب: 70)، يقول ابن كثير في «القول
السديد»: «هو الصحيح الموافق للحقّ والعدل»(3)، وهو المعيار الأخلاقي
الذي يعيد الثقة إلى الحوار العام ويحصن المجتمع من الشائعات.
حين يتحدث الناس
بصدق واعتدال، تقل المسافات بين القلوب، وتترسخ الثقة بين المواطن ومؤسسته، وبين
الجار وجاره، وليس المقصود بالكلمة الطيبة أن تكون كلمة ناعمة في كل وقت، وليس
مطلوباً أن تكون شهادة زور بحجة قول الطيب، وإنما يجب أن تكون صادقة، عادلة، تحمل
نية صادقة لله تعالى.
5- الكلمة الطيبة تصلح ذات البين وتعيد الثقة المفقودة:
فهي ليست وقاية للمجتمع من فقدان الثقة، وإنما قد تكون علاجاً لما تم كسره من علاقات كانت قائمة بفعل الغضب أو سوء الفهم، يقول تعالى: (لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) (النساء: 114).
_____________
(1) تفسير
القرآن العظيم، ابن كثير، ج1، ص12.
(2) إحياء علوم
الدين للغزالي، ج3، ص130.
(3) ابن كثير
تفسير القرآن العظيم، ج3، ص482.